خروقات الاحتلال.. هل تنذر بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟

خروقات الاحتلال.. هل تنذر بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
تقارير وحوارات

غزة / معتز شاهين:
رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ودخوله حيز التنفيذ، لم تتوقف خروقات جيش الاحتلال الإسرائيلي، مما يثير شكوكًا حول نيته الحقيقية في إنهاء الحرب. ولا تُعتبر هذه الخروقات عشوائية، بل جزءًا من خطة مدروسة تهدف إلى إفشال الاتفاق والضغط على الفلسطينيين لمنع إقامة دولتهم، وفق ما يرى مراقبون.
شن جيش الاحتلال الإسرائيلي أمس الأحد سلسلة غارات عنيفة على مناطق متفرقة في قطاع غزة أسفرت عن ارتقاء أكثر 45 شهيدا فيما اصيب العشرات في خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار بين حماس والاحتلال الإسرائيلي .
بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة تؤكد تجاوز عدد الخروقات الإسرائيلية منذ بدء وقف إطلاق النار 350 خرقاً، شملت غارات جوية وقصفاً مدفعياً وإطلاق نار مباشر على مناطق متفرقة من القطاع.
وأوضح المكتب أن الاحتلال نفّذ هذه الخروقات باستخدام آليات متمركزة على أطراف الأحياء السكنية، ورافعات إلكترونية مزوّدة بأجهزة استشعار واستهداف عن بُعد، إضافة إلى الطائرات المسيّرة (الكوادكابتر) التي تحلّق فوق المناطق السكنية وتنفّذ عمليات إطلاق نار واستهداف مباشر للمدنيين.
وأشار إلى أن هذه الخروقات تمّ رصدها في جميع محافظات قطاع غزة دون استثناء، ما يؤكد عدم التزام الاحتلال بوقف العدوان واستمراره في سياسة القتل والإرهاب.
وأدت هذه الاعتداءات إلى استشهاد عشرات المدنيين، بينهم أطفال وصحفيون، إضافة إلى تدمير منازل ومنشآت مدنية في شمال ووسط غزة. كما واصل الاحتلال منع دخول المساعدات والمعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض، رغم أن ذلك يُعدّ أحد البنود الأساسية في الاتفاق.
إفشال الاتفاق
قال الكاتب والمحلل السياسي د. حسام فاروق إن الخروقات الإسرائيلية المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة لم تكن مفاجئة، بل جاءت ضمن سياق سياسي مدروس يستهدف إفشال الاتفاق بالكامل والعودة إلى الحرب، في محاولة للقضاء على أي أفق لحل الدولتين أو قيام دولة فلسطينية.
وأضاف فاروق في حديثه مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأحد، أن هذه الخروقات بدأت حتى قبل التوقيع الرسمي على الاتفاق الذي تم في شرم الشيخ، والذي يستند إلى خطة الرئيس الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط. وأشار إلى أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين كانت واضحة في رفضهم الانسحاب الكامل من غزة واستبعادهم لأي دور للسلطة الفلسطينية، رغم أن هذه البنود تمثل جزءًا أساسيًا من الاتفاق الأمريكي.
وأوضح: "إسرائيل لا تسعى إلى تعديل الاتفاق أو فرض شروط جديدة، بل هدفها إفشاله تمامًا، والعودة إلى الحرب بهدف تدمير غزة ومنع قيام الدولة الفلسطينية"، مشيرًا إلى أن حكومة نتنياهو تعمل بشكل منهجي على تفريغ مكونات الدولة الفلسطينية الثلاثة – الشعب، والحكومة، والأرض – من مضمونها، سواء من خلال محاولات التهجير أو عبر السيطرة على الأراضي وتوسيع الاستيطان.
وحذر فاروق من أن الاحتلال يسيطر حاليًا على أكثر من 55% من مساحة قطاع غزة، ويضع ما يسمى بـ"الخط الأصفر"، حيث يتم إطلاق النار فورًا على من يتجاوزه، في انتهاك واضح للاتفاق و لقواعد القانون الدولي.
وفي ما يخص ملف الأسرى وجثث الجنود الإسرائيليين، أوضح فاروق أن حركة حماس أبلغت الوسطاء بصعوبة العثور على الجثث خلال المدة الزمنية التي حددها نتنياهو (72 ساعة)، نظرًا لوجودها تحت أنقاض المباني المدمرة. وقد عرضت كل من تركيا ومصر تقديم دعم لوجستي وفني للمساعدة في عمليات الانتشال، لكن حكومة الاحتلال رفضت، وهو ما يكشف – بحسب فاروق – عدم رغبتها في استكمال الاتفاق.
ودعا د. فاروق الوسطاء، وخاصة مصر وقطر وتركيا، إلى تحمل مسؤولياتهم السياسية في هذا الظرف الحرج، مؤكدًا أنه عليهم وضع الإدارة الأمريكية أمام الحقيقة الكاملة، كونها ليست فقط وسيطًا بل طرفًا ضامنًا للاتفاق.
وأشار إلى أن زيارة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى مصر وإسرائيل خلال الساعات المقبلة تمثل فرصة مهمة لكشف تلاعب نتنياهو وخروقاته، خاصة وأن الاتفاق الذي تم توقيعه في شرم الشيخ جرى برعاية أكثر من عشرين دولة.
مخالفة الاتفاق
بدوره، يرى المحلل السياسي الفلسطيني عدنان الصباح أن استمرار الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والتي أسفرت عن ارتقاء عشرات الشهداء منذ بدء الهدنة، يكشف أن الاحتلال لا ينوي الالتزام بأي اتفاق، بل يسعى لفرض شروط جديدة على الأرض.
وقال الصباح لصحيفة "الاستقلال"، أمس الأحد، إن هذه الخروقات لا يمكن فصلها عن السياق الأوسع للمواقف الأمريكية والإسرائيلية، معتبرًا أن ما يسمى "صفقة ترامب" أو التوجهات السياسية الأخيرة لم تكن نابعة من رغبة حقيقية في السلام، بل جاءت نتيجة الفشل العسكري في تحقيق أهداف الاحتلال.
وأوضح أن "الاحتلال وأمريكا لاجئا إلى الطرح السياسي بعد أن أدركوا عجزهم عن الحسم بالقوة"، مضيفًا أن" الصفقة كانت محاولة لحفظ ماء وجه إسرائيل وتقديم الأمر كـ"مبادرة" من الجانب الأمريكي، رغم أنها لم تكن إلا محاولة لفرض وقائع جديدة على الأرض".
وأشار الصباح إلى أن الضغوط الدولية، خصوصًا في أوروبا، بدأت تتصاعد على الحكومات الغربية الداعمة للاحتلال، لافتًا إلى أن حكومات مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تواجه غضبًا شعبيًا متزايدًا بسبب مواقفها.
وفي تعليقه على دور الوسطاء، قال الصباح إن "الوسطاء تعرضوا للخديعة من قبل الاحتلال ومن إدارة ترامب، إذ قيل لهم إن الحرب انتهت فعليًا وإن الاحتلال سيغادر غزة تدريجيًا، لكن الوقائع أثبتت العكس: لا انسحاب حدث، ولا تهدئة فُعلت، ولا مساعدات دخلت، والمأساة الإنسانية ما زالت تتفاقم".
وأكد أن مسؤولية الوسطاء اليوم تكمن في ضمان تنفيذ الاتفاق فعليًا، ومنع تكرار سيناريو يناير الماضي عندما أفشل الاحتلال الالتزام ببنود التفاهمات، مشددًا على أن استمرار المماطلة في فتح معبر رفح ومنع إدخال المساعدات يشكل انتهاكًا صارخًا لأي اتفاق تهدئة.

التعليقات : 0

إضافة تعليق